فادي رعيدي جرعة فرح في غصّة الحياة اليومية
في خضم ما يعيشه مجتمعنا من خيبات أملٍ وأزمات متفرّقة لا تُعدّ ولا تحصى، ومشاكل حياتية لم يشهد لها لبنان مثيلاً، يطلّ علينا الفنان المتعدّد المواهب والشخصيات، فادي رعيدي مع فريق عمله وشريكته الأساسية الممثلة ريتا شويري، في عرضٍ مسرحيٍ ساخرٍ ” The Sheraka Retro Theatre” يحاكي قضايا المجتمع، بأسلوبٍ فكاهيًّ يزيل “الهمّ عن القلب” ولساعتين فقط، كلّ ليلة سبت على مسرح فندق Portemilio الكسليك، جونية.
أزمة الدولار على المسرح
يستهلّ رعيدي عرضه المسرحي بإطلالة عادية خالية من تجسيد أي شخصية محدّدة، يحييّ خلالها الحضور متناولاً العبء الأبرز على كاهل اللبناني، أزمة المصارف والدولار؛ ليشاركه الجميع الرأي نفسه والسخرية عينها؛ متحدثًا بطريقة هزلية عن أهم إنجازات لبنان: “أطول منقوشة وأكبر صحن حمّص مقارنةً مع أهم إنجازات بلاد الغرب”.
النكد الزوجي
تبدأ المسرحية بأول مشهد يجسّد وضع كلّ ثنائي متزوّج، وحالته مع “الحماة الهنيّة” و “العمّ المهضوم”. فيمرّر رسائل مبطّنة عن نكدّ الحياة الزوجية ومعاناة كل زوج مع زوجته المتطلّبة.
فضيحة القبو
ويطلّ رعيدي بشخصية “يوسف قليقل” المشهورة بـ “أبو ريمون” أيضًا، فيضحك الجمهور على نهفاته الخيالية، وعلى “نفخه” بإبنه ريمون “المدييييييير” في الـ “ناسا” في الولايات المتحدة الأميركية؛ فيقصّ مشروع زواج ابنه من إحدى أشهر فتيات أميركا على “ري ري” موظفة مكتب السفريات، التي قصدها ليهدي زوجته “بديعة” تذكرة سفر بعد شجار دار بينهما بسبب فضيحة القبو.
حنين Jay Jay للوطن
وتبع شخصية “يوسف قليقل” شخصية Jay Jay ذلك المهاجر اللبناني الأميركي اللبناني الأصل الذي يربطه حنين استثنائي بوطنه الأم تقدمتها أغنية تفاعل معها الجمهور.
Pipo المشاغب
ما هي إلا دقائق حتى ظهر “بيبو”، الطفل الذي “يشيّب” مديرة المدرسة بسلوكه في الصفّ، وبأجوبته الغريبة العجيبة لها أثناء توبيخها له.
فاديا الشرّاقة في المخفر
ختامها مسك مع نجمة الشخصيات ومحبوبة الجمهور، الشخصية التي يفوق عمرها العشرين عامّاً، والمتعرّشة على لقب ملكة جمال الكون: فاديا الشراقة، وهذه المرة مطلوبة للعدالة بتهمة محاولة قتل، حيث غيّرت مجرى التحقيق بسبب سردها للمحققة عن فظائع ومغامرات زوجها نبيل الجنسية.
المسرح اللبنانيّ في عين ناقدة
للإطلاع على حال المسرح اللبنانيّ، كان لموقع “أحوال” حديثٌ موجز مع الصحفيّة والناقدة الفنية “تانيا الباشا”، التي تطرّقت الى مسائل شائكة تعترض المسرح اللبناني، كالعوائق التي تمنع بلوغه العالمية، بالإضافة إلى محدودية رقابة الأمن العام اللبنانيّ، ودور وزارة الثقافة في تقدمّه وتطوّره.
وعن العوائق التي تحول دون بلوغ المسرح اللبنانيّ العالمية، علماً أنّ معظم مسرحيي لبنان يجيدون اللغات الثلاث: العربية و الإنكليزية والفرنسية، أوضحت الباشا أنّ المسرح الذي بلغ العالمية لم يعتمد يومًا على اللغات، بل على نصوصٍ عالمية مشهورة بلغاتٍ مختلفة بين شعوب العالم، مثل “همليت” و “شكسبير” و “موليار”؛ اذ استطاع المسرحيون تجسيدها على خشبة المسرح، وبلوغ العالمية، بفضل نصوصهم التي تتمحوّر حول الوجدانيات والصراعات، وكلّ ما يتعلّق بقيم الإنسان والبشرية؛ بعكس ما يتناوله المسرح اللبناني في أيامنا هذه، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالزمان والمكان؛ معتبرة أنّ المسرح اللبناني يحاكي قضايا ووجع الناس ومواضيعه آنية تتعلق بالمجتمع.
ولفتت الباشا إلى غياب الدعم المادي أو إنعدامه في بعض الأحيان لتطوير المسرح اللبناني، معتبرة أنّ هذا يشكّل عائقًا أساسيًا أمام عولمته. فللذهاب إلى العولمة، بحسب وجهة نظرها، لابدّ من إقتباس أو كتابة قصص يجسدّها ممثلون مخضرمون متفرغون لفنّ المسرح، “حيث تتمحوّر القصص حول الفلسفة والوجدانيات، وانتماء الإنسان”؛ وأوضحت أنّه يمكن أن يتم ترجمة أو دبلجة القصص، بشرط عدم ربطها بالزمان والمكان كي يتحقق هدف الوصول إلى العالمية.
الرقابة مطلوبة
أما بالنسبة لرقابة الدولة، فأشارت الباشا إلى أنّ الرقابة متوفرة في كل دول العالم تقريباً، لكنها ناقصة في لبنان؛ مشددةً على التمسّك بحريّة التعبير على خشبة المسرح، التي تشكل منصّة لتحمّل المسؤولية وللمحافظة على إحترام وجود الجمهور الراقي. ولفتت إلى أنّ من يقصد المسرح يريد الاستمتاع بفن المسرح وأدائه، لا أن يستمع إلى شتائم وألفاظٍ نابية تلوّث سمعه وتعكّر في بعض الاحيان صفوة أمسيته.
وأردفت الباشا، “من هنا أنا أؤيد الرقابة على التعابير والديكور والصوتيات والملابس والايحاءات المسرحية، كي لا توّلد فتنة أو تخدش الحياء، وليس على المضمون بحدّ ذاته؛ موضحة، يمكننا إيصال الرسالة عن الموضوع بتعابير مختلفة ومحترمة، مشيرةً الى أنّ الأمن العام اللبناني يفتقد لأهل الاختصاص في مجال المسرح، وهم المسؤولون عن تحديد ما يجب ضبطه أو إلغاءه. وأضافت، يحصل أن يتم عرض مشاهد هابطة دون رقابة لا تحترم الجمهور. ونصحت في هذا المجال، أن يكلّف الأمن العام لجنة اختصاصيين مؤلفةً من ممثلين ومسرحيين مخضرمين على خشبة المسرح، بالإضافة إلى أساتذة كليّات ومعاهد فنّ التمثيل، للإشراف على عروض المسرحيات قبل تقديمها، تجنبًا لخدش الحياء العام، وللمحافظة على رقي المسرح وحريّة التعبير بطريقة مرموقة.
وعن دور وزارة الثقافة في دعم المسرح اللبناني، رأت الباشا أنّه يمكنها تنظيم مسابقات لطلاّب الجامعات، فتشجعهم على إخراج وتأليف مسرحيات حول نصوص عالميةٍ معينةٍ، تستمر لتسعة أشهر يتمّ بعدها انتخاب أفضل عملٍ مسرحيّ من قبل لجنة تحكيم عالمية، تخوّل الفريق الرابح الذهاب نحو العالمية بعمله، حاملاً لبنان ومسرحه إلى دول العالم.
وبحسب الباشا، يمكن للوزارة أن تدعم المسرح من خلال إنشائها مركزًا مسرحيًا يكون منصّةً مجانيّةً مجهزةً بالكامل (إضاءة وبرمجة صوت وديكور وبنى تحتيّة) للمسرحيين والمخرجين، كي يركزّوا على الإنتاج إن على صعيد إختيار الممثلين المخضرمين، أو على صعيد تحسين جودة الإضاءة وهندسة الصوت والأزياء وفحوى المسرحية، فيقصدها الجمهور ببطاقات رمزية بفضل تقليص عبء تكاليف المسرح.
فادي رعيدي يقدم عملاً مميزاً
عمل مسرحيٌّ مميّز قدّمه فادي رعيدي لجمهوره البائس واليائس، راسمًا ضحكةً ولو قصيرة الأمدّ على وجوهٍ اعتادت أن تكون شاجبةً بسبب الظروف المريرة؛ جمهورٌ أتى لينسى همّه مؤقتًا رغم الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تنهش بوحشية حالته المعيشية.
سلسلة عروض راقيّة أدّاها تنحني لها القبعة احترامًا، إن من جهة عدم التلّفظ بألفاظ نابية، أو لجهة عدم التطرّق للمواضيع السياسية والطائفية والشعبوية والفئوية؛ فقد تعمّد الإبتعاد كليًّا عن الإبتذال و Cliché في عروضه كافة. وكما عادته، قدّم أفكاره الفريدة والمميزة التي تجعل الوقت يتخطى الساعتين- مع فترة استراحة – دون ملل.
فادي سلامه